Posted on: الأحد، 28 أبريل 2013

الامة المصلحة


{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}آل عمران:110


كل دولة وكل امة تحتاج الى جيش قوي وسور منيع لحمايتها من الاخطار الخارجية وكذلك تحتاج الى قوة داخلية تحافظ على بناءها من الداخل , ولعل هذا الامر يعد من البديهيات اذ بدونه ستكون الامة او الدولة عرضة للتدخلات الخارجية والفتن الداخلية وبالتالي الضعف والخضوع والخنوع والانهيار والفناء كما فنيت واندثرت امم ودول كثيرة سابقة...

والامة الاسلامية حالها حال بقية الامم يجري عليها ماجرى ويجري على الامم والدول الاخرى وحالها كحال أي دعوة فكرية وعقائدية فانها تحتاج اضافة الى الجيش العسكري المنظم القوي , تحتاج الى الجيش الفكري المنظم المنيع الذي يحفظ عقائد الامة من الانحراف والزوال والاندثار , وذلك لايتم من دون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو سور الامة وحارسها وهو الوجه الحسن الذي يستقطب القاصدين والسائلين والحائرين , ولولا ذلك لجنحت الانفس الامارة بالسوء بالناس الى مستوى البهيمية ولصار الناس كالانعام بل اضل سبيلا , ولسوف تحل اللعنة الدائمة على الناس لو تركوا تلك الفريضة , والله وحده يعلم مانوع اللعنة التي يستحقها الناس آنذاك ..

{ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} المائدة

وحين ننظر الى واقع امتنا المزري وظهور الفواحش فيها والفساد والفتن وتكالب الناس عليها والصراعات الداخلية المقيتة وماوصل اليه الحال من الفقر والجوع والتشرد والتشرذم وتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال والضعف والجبن والتهاون لتيقنا تماما ان السبب وراء كل ذلك هو ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر , فعلينا الحذر الحذر من ترك هذا الامر او الغفلة عنه , قال تعالى (فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (63) النور

ولعل البعض يتصور ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يتوقف العمل به على توجيه وامر من الجهة الدينية او القيادية , فان صدر التوجيه والامر عمل بهذه الفريضة وان لم يصدر الامر تركها , متوهما انه بذلك اطاع الله فيما اراد وحقق الارادة الالهية في عمله ذلك , وحقيقة الامر انه لم يكن ملتفتا الى طاعة الله بهذا الامر بقدر التفاته الى طاعة وكسب رضا القيادة , فيكون عمله اجوفا فارغا خاليا من كل روح لانه لم يصدر من قلبٍ مؤمنٍ بحقيقة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اذ لو كان عمله ناجما من ايمان لما عطل الفريضة دهرا واوقف العمل بها على صدور امر او توجيه وكأن الله سبحانه لم يأمر بأدائها ويتوعد على مخالفتها ,

وبعد ثبوت الانحدار والتسافل في كيان الامة صار من اللازم ان يكون هناك من يامر بالمعروف وينه عن المنكر {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران:104]

ومن الطبيعي ستعاني هذه الامة المصلحة اشد المعاناة من الذين انغمسوا في الرذيلة والفساد كما عانى قبل ذلك الانبياء والرسل والاولياء المصلحون في كل عصر وجيل , ولايمكن جعل جحود الناس سببا في ترك العمل بهذه الفريضة , فنوح عليه السلام لبث في قومه يدعوهم الف سنة الا خمسين فما ازدادوا الا ظلما وكفرا وطغيانا , وهكذا سائر الانبياء والصالحين فانهم يتحلون باعلى قيم الايمان والصبر عند تأديتهم لشعائر الله .

الحقيقة ان مرض الامة الاسلامية  خطير اذ انها لاتمجد ابطالها الحقيقيين الا بعد وفاتهم وانتقالهم الى الرفيق الاعلى , فتجد الامة متكالبة على معاداة اهل الحق ومحاربتهم ومقاطعتهم والتشنيع عليهم والعمل ليل نهار على تشويه قضيتهم والقضاء عليهم , فاذا ماتم لهم ذلك بكوا عليهم وادعى كل منهم انه من مؤيديهم واتباعهم , كما حصل مع السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره الشريف , وكما حصل مع السيد محمد صادق الصدر قدس سره الشريف , وكما هو حاصل الان مع السيد الصرخي الحسني دام ظله وهو الذي عمل على ايجاد قاعدة تعمل بالمعروف وتنهى عن المنكر , لكن في المقابل تجد اكثر الناس يقفون موقف الضد منه ومن اتباعه , بل تجد حتى الذين يؤمنون باحقية دعوته ( من غير انصاره ) يخشون ان يظهروا ذلك امام الملأ خشية ان يتهمهم الناس بانهم صرخية ,

{مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ}[آل عمران:113-115]

2 التعليقات:

Unknown يقول...

الله كلام اجمل من رائع استاذ حبيب الله يوفقك وقعت على العلة

سليم الخليفاوي يقول...

عندما نطالع السيرة التاريخية للانبياء والائمة والعظماء والمصلحين نجد كل ما ذكرته واضحاً وضوح الشمس .. وما على الانسان سوى ان يأخذ العبرة من الماضي ليستفيد منه في الحاضر او المستقبل ... بارك الله فيك استاذ حبيب السعيدي

إرسال تعليق